[/b
الرئيسية
أحدث الصور
من طرف بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالشيخ كومار الفرندقوسي من محلة فرندقوسة , وهي محلة اشتهرت بعجائبها , وإليها يشير القائل " الدنيا فرندقوسة تزرع بصل يطلع كوسة " , وقد اشتهر الشيخ بسعة اطلاعه , وقوة حفظه , ولديه عدد من الإجازات , منها إجازة في فن سلق البيض من شيخه أبي الهياط الفجلاوي , وقد قرأ عليه كتاب " الليف " لأبي كربة العذقي كاملا , وأجازه فيه , كما قرأ عليه كتاب " من بغاه كله خلاه كله " لفقيه زمانه , وداهية عصره حسونة المطفوق .
قيل : إن الشيخ كومار ساء حفظه مدة من الزمن , وذلك بسبب أخذه بفتوى أحد مشايخه , بجواز الرضاعة للكبير , فقيل إنه لقم ثدي امرأة مسنة فساء حفظه لذلك , وكان كلما تذكر تلك الحادثة قال : كاد أن يقتلني شيخي .
من عجائب الشيخ كومار أنه اشتهى اللحم مرة , فطلبه فقيل له : ليس في السوق لحم , فقال أحد الحاضرين : لقد رأيت آل فلان قد أخرجوا من بيتهم شاة ميتة , فقال الشيخ كومار : عليَّ بها , فقيل له : إنها ميتة , فقال : إيتوني بها فقد اشتهيت اللحم , فقيل له : ولكن لايجوز ذلك إلا للضرورة , فقال : أنا مضطر , والضرورة تقدر بقدرها , وأنا أعلم بقدري منكم , فأتي بها فأكل منها حتى استلقى على قفاه من الشبع , ثم قال : إن عندي بحثا قديما قد كتبته حول هذه المسألة , وأنا أدين ربي بجوازها لمن كان مضطرا مثلي , وقد وجدت كلاما كثيرا يبيحها , بل إني جلست مرة مع بعض الصحفيين والمثقفين , وسألني أحدهم مالفرق بين الذبيحة التي ماتت بغير التذكية , وبين المذكاة , أليست كلها لحم ؟ , فأعجبني قوله , وبحثت المسألة , وانتهى رأيي إلى الجواز .
ومن عجائبه أنه سأل عن الخمر كيف يصنع ؟ , فقيل إنه يصنع من بعض الأطعمة , فقال إيتوني به فقد أحل الله لنا الطيبات , وحرم علينا الخبائث , فقيل : إنه من الخبائث , فقال : لقد شربه بعض الصحابة رضوان الله عليهم , وهم أهل الخيرية والفضل , فقيل : ولكن شربوها قبل تحريمها , فقال : إياكم والتنطع وعقدة التحريم , بلغني أن قدامة بن مظعون رضي الله عنه كان لايرى بشربها بأسا وأنه يستدل لها بقول الله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) , فقيل له : ولكن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقروا قدامة على تأويله , فقال : لقد أدركت بعض دشير الجرادية يشربونها .
ومن عجائبه أنه كان واقفا عند الإشارة , فوقف بجواره شاب وقد رفع صوت المسجل على أغنية لعبادي الجوهر , فنظر إليه الشاب فاستحيا منه , وأطرق خجلا , وأغلق المسجل , وهو يتصبب عرقا من الخجل , فقال له الشيخ : هون عليك هون عليك فالذي تفعله أحل من الفقع , فاندهش الشاب , ولم يصدق أن من يحدثه هو الشيخ كومار بنفسه , فقال : ياشيخ أحقا ما تقول ؟ , قال : نعم بل بلغني أن أحد من عاصروا زمن تابعي التابعين وهو بشار بن برد كان يسمعه ويطرب له , ولبعض قراء عصرنا فتوى بإباحته كله ويستدلون لذلك بالقول المشهور " دقي يا موزيكا " , ولو شئت لأريتك بحثا مطولا نقلت فيه كلاما لأعلام من سلف الأمة وخلفها يبيحون أغاني هيفاء وهبي , ويرون أن من الورع تجنب ما يصف العورة المغلظة , وإن سمعه بنية التقوي على الخير فهو ونيته , وذلك كمن يشاهد صورة المرأة في التلفاز وغيره , فمرد الأمر لنية الرائي , فإن كان يراها قردا فكأنما زار حديقة الحيوان , وإن كان يراها امرأة حسناء فليحمد الله أن من عليه بنعمة الهداية .
وللشيخ كومار آراء وفتاوى كثيرة جدا , وبحوث مطولة , لايتسع المقام لذكرها , بل لقد قال مرة : لدي من الأقوال مالو صرحت به لفضحت المؤسسات الشرعية , والهيئات الدينية , التي تجبن عن التصريح بهذه الأمور خوفا من أن يتركهم الناس , ولذلك فهم يفضلون البقاء على منهج الأقدمين , أو الفتاوى المذهبية الضيقة المتحجرة .
كما تحدى الشيخ كومار كل علماء عصره أن يواجهوه , أو يردوا قوله , أو يناظروه , وذكر أن قوله يؤيده عليه علماء آخرون " لكنهم من تحت لتحت " , وهم ينتظرون من يعلق الفار أو الجرس , كما نسب الشيخ كومار بعض فتاويه لشيخ مشايخه وقال : إنه كان يراها قبل وفاته , ومن يشكك فليذهب لقبره ويسأله .
أيها الفضلاء :
مامضى حكاية استقرائية تخيلية لبعض واقعنا وللأسف الشديد , وهو تصوير لأحداث تتكرر , ولا أستبعد أن تقع , فنرى شيخا بهذا الاسم والصفة والرأي يتصدر الصحف ووسائل الإعلام , ويطلق صواريخ فتاويه العابرة للقارات , والحاملة لرؤوس نووية جرثومية هادمة .
نعم فحين يتصدر المتعالمون , أو المتطاولون على مقام التوقيع عن الله تعالى , ممن لم يعرف بطلب , أو ظنَّ أن شهرته بين الناس لأي سبب كان كافية لاستحقاقه هذا المقام الرفيع , فإننا سنجد من الشذوذات والضلالات مالايخطر على بال , مما يصدق قول الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( اتخذ الناس رؤوسا جهَّالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) .
إنه حين توضع أزمَّة القيادة الشرعية بأيدي المتطفلين على بساط العلم , ومجالس العلماء , ويكون لهم صوت وصيت , ويُصدِّرهم الإعلام على أنهم الأعلام , فإن هذا جرٌّ للأمة للهاوية , ومسخ لثوابتها , وإطفاء لمشاعلها المضيئة , وإغلاق لسبلها الآمنة .
حين يؤخذ العلم من المتعالمين , ويُروَّج للتافهين , ويناقش مسائل الشريعة الأدعياء , فقل على الأمة السلام , وهذا وربي مما يوهن جسدها , ويقضي على مصادر قوتها وتماسكها , بل ويجرىء الأوغاد عليها .
إنه يجب أن يوضع الناس في مقاماتهم , فليس كل من حفظ مسألة صار إماما , ولا كل من حفظ القرآن , وحسن صوته فيه أصبح مفتيا , وليس كل من ترشح للقضاء , أو تعين في وظيفة شرعية استحق أن يقول في شريعة الله برأيه .
يجب أن يعلم الناس أن هذا العلم دين , وأن ينظروا عمَّن يأخذون دينهم , وأن يعلموا أن العلم لايؤخذ إلا من مظانِّه ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) , وأهل الذكر هم ممن يزن الأمور بميزان الشريعة , ويراعي المصالح والمفاسد الشرعية , ويخشى الله ويتقيه , ويستشعر أنه سيسأل عن ذلك كله , وإذا عرضت عليه مسألة لايعلمها , أو له فيها رأي لو قاله لربما فتح على الناس بابا , فإنه والحالة هذه يقدم جانب حفظ المصلحة العامة للأمة , وسلامتها من الشقاق فيها والتشغيب .
أهل العلم هم الذين لاينتصرون للأهواء , ولا يتعصبون للآراء إلا أن تكون حقا , ولا يمنعهم ابتغاء الحق من أن يرجعوا عمّا يرون أنه لامصلحة منه .
أهل العلم هم الذين جعلوا مراقبة الله نصب أعينهم , وخوفه وخشيته غذاء أرواحهم , فإذا أفتوا بأمر تحرَّوا فيه ما يطمعهم بمرضاة الله , والسلامة من التبعات , أما من يفتي الناس ليلتفتوا إليه , ويتجمهروا عليه , وليقولوا ما أحسنه وأظرفه , أو ليتصدر فيهم , أو ليقال عالم , أو ليكتسب بفتاويه مرضاة بعض ذوي الشأن , ويوافق ماتصبوا إليه نفوسهم , أو ليكون عالميا يدهمه الناس , ويجد في كل أرض يحل فيها أنصارا ومؤيدين وجماهير , أو يتحاشى الرجوع للحق خشية انفضاض الأتباع والمريدين , أو يعمد إلى مسائل الخلاف القوي , أو مسائل العصر , فيقول فيها بخلاف ماعليه عمل العلماء الثقات , إرضاء للأهواء , وبحثا عن الأضواء , وعلامة ذلك أن يقول في المسألة بقول كان يرى خلافه بالأمس , مع أنه لم يعرف عنه تجدد في البحث , ولا رجحان في الأدلة , ولا الاطلاع على نصوص خافية , بل لأن في ذلك ما يجعله حديث المجالس , ويمنحه فرصة تصدر وسائل الإعلام , فهذا كذاب عليم اللسان , إياك وإياه , بل فرَّ منه فرارك من المجذوم , وفرار الغزال من الضبع العادي , ولا تغترَّ بزخرف قوله , وإن أرخى عثنونه , أو أقسم بالله إنه لصادق .
لقد كثر المفتون في زمننا هذا , وعظم بكثرتهم الخطب , وما ذاك إلا لأن الأمة تحتاج معرفة أحكام دينها , فإذا انبرى لتعليمها الجهلة والأدعياء والضلال , فلا شك أن من يكن الغراب دليله , والأعمى قائده , فلن يرد إلا على عطب وبوار .
إن وسائل الإعلام أكبر من يتحمل مسؤولية تجهيل الأمة وللأسف , فهي اليوم امتداد لمشروعها العدائي ضد هذا الدين , وإلا فما معنى أن تعزف عن العلماء الأجلاء المعتبرين , وتتلقف أدعياء العلم والمتعالمين , ورؤوس الضلال , بل وتمنح المساحات للموتورين السفهاء , ليتطاولوا على أسيادهم , ويصادموا أقوالهم وفتاويهم , بالجهالات والاعتراضات السخيفة الغبية .
يجب أن تبادر الدولة بمنع هذه التجاوزات , حتى لاينزع الناس لأهل الزيغ والمتعالمين , ويعزفوا عن البررة الناصحين , فيكون الناس فرقا وأحزابا ( كل حزب بما لديهم فرحون ) , فتعم حينها فوضى الآراء والتوجهات , وهو باب لو انفتح لكان فتحه أجل خدمة للشيطان وحزبه .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا , وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
بقلم الشيخ / سليمان بن أحمد الدويش
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فالشيخ كومار الفرندقوسي من محلة فرندقوسة , وهي محلة اشتهرت بعجائبها , وإليها يشير القائل " الدنيا فرندقوسة تزرع بصل يطلع كوسة " , وقد اشتهر الشيخ بسعة اطلاعه , وقوة حفظه , ولديه عدد من الإجازات , منها إجازة في فن سلق البيض من شيخه أبي الهياط الفجلاوي , وقد قرأ عليه كتاب " الليف " لأبي كربة العذقي كاملا , وأجازه فيه , كما قرأ عليه كتاب " من بغاه كله خلاه كله " لفقيه زمانه , وداهية عصره حسونة المطفوق .
قيل : إن الشيخ كومار ساء حفظه مدة من الزمن , وذلك بسبب أخذه بفتوى أحد مشايخه , بجواز الرضاعة للكبير , فقيل إنه لقم ثدي امرأة مسنة فساء حفظه لذلك , وكان كلما تذكر تلك الحادثة قال : كاد أن يقتلني شيخي .
من عجائب الشيخ كومار أنه اشتهى اللحم مرة , فطلبه فقيل له : ليس في السوق لحم , فقال أحد الحاضرين : لقد رأيت آل فلان قد أخرجوا من بيتهم شاة ميتة , فقال الشيخ كومار : عليَّ بها , فقيل له : إنها ميتة , فقال : إيتوني بها فقد اشتهيت اللحم , فقيل له : ولكن لايجوز ذلك إلا للضرورة , فقال : أنا مضطر , والضرورة تقدر بقدرها , وأنا أعلم بقدري منكم , فأتي بها فأكل منها حتى استلقى على قفاه من الشبع , ثم قال : إن عندي بحثا قديما قد كتبته حول هذه المسألة , وأنا أدين ربي بجوازها لمن كان مضطرا مثلي , وقد وجدت كلاما كثيرا يبيحها , بل إني جلست مرة مع بعض الصحفيين والمثقفين , وسألني أحدهم مالفرق بين الذبيحة التي ماتت بغير التذكية , وبين المذكاة , أليست كلها لحم ؟ , فأعجبني قوله , وبحثت المسألة , وانتهى رأيي إلى الجواز .
ومن عجائبه أنه سأل عن الخمر كيف يصنع ؟ , فقيل إنه يصنع من بعض الأطعمة , فقال إيتوني به فقد أحل الله لنا الطيبات , وحرم علينا الخبائث , فقيل : إنه من الخبائث , فقال : لقد شربه بعض الصحابة رضوان الله عليهم , وهم أهل الخيرية والفضل , فقيل : ولكن شربوها قبل تحريمها , فقال : إياكم والتنطع وعقدة التحريم , بلغني أن قدامة بن مظعون رضي الله عنه كان لايرى بشربها بأسا وأنه يستدل لها بقول الله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) , فقيل له : ولكن الصحابة رضوان الله عليهم لم يقروا قدامة على تأويله , فقال : لقد أدركت بعض دشير الجرادية يشربونها .
ومن عجائبه أنه كان واقفا عند الإشارة , فوقف بجواره شاب وقد رفع صوت المسجل على أغنية لعبادي الجوهر , فنظر إليه الشاب فاستحيا منه , وأطرق خجلا , وأغلق المسجل , وهو يتصبب عرقا من الخجل , فقال له الشيخ : هون عليك هون عليك فالذي تفعله أحل من الفقع , فاندهش الشاب , ولم يصدق أن من يحدثه هو الشيخ كومار بنفسه , فقال : ياشيخ أحقا ما تقول ؟ , قال : نعم بل بلغني أن أحد من عاصروا زمن تابعي التابعين وهو بشار بن برد كان يسمعه ويطرب له , ولبعض قراء عصرنا فتوى بإباحته كله ويستدلون لذلك بالقول المشهور " دقي يا موزيكا " , ولو شئت لأريتك بحثا مطولا نقلت فيه كلاما لأعلام من سلف الأمة وخلفها يبيحون أغاني هيفاء وهبي , ويرون أن من الورع تجنب ما يصف العورة المغلظة , وإن سمعه بنية التقوي على الخير فهو ونيته , وذلك كمن يشاهد صورة المرأة في التلفاز وغيره , فمرد الأمر لنية الرائي , فإن كان يراها قردا فكأنما زار حديقة الحيوان , وإن كان يراها امرأة حسناء فليحمد الله أن من عليه بنعمة الهداية .
وللشيخ كومار آراء وفتاوى كثيرة جدا , وبحوث مطولة , لايتسع المقام لذكرها , بل لقد قال مرة : لدي من الأقوال مالو صرحت به لفضحت المؤسسات الشرعية , والهيئات الدينية , التي تجبن عن التصريح بهذه الأمور خوفا من أن يتركهم الناس , ولذلك فهم يفضلون البقاء على منهج الأقدمين , أو الفتاوى المذهبية الضيقة المتحجرة .
كما تحدى الشيخ كومار كل علماء عصره أن يواجهوه , أو يردوا قوله , أو يناظروه , وذكر أن قوله يؤيده عليه علماء آخرون " لكنهم من تحت لتحت " , وهم ينتظرون من يعلق الفار أو الجرس , كما نسب الشيخ كومار بعض فتاويه لشيخ مشايخه وقال : إنه كان يراها قبل وفاته , ومن يشكك فليذهب لقبره ويسأله .
أيها الفضلاء :
مامضى حكاية استقرائية تخيلية لبعض واقعنا وللأسف الشديد , وهو تصوير لأحداث تتكرر , ولا أستبعد أن تقع , فنرى شيخا بهذا الاسم والصفة والرأي يتصدر الصحف ووسائل الإعلام , ويطلق صواريخ فتاويه العابرة للقارات , والحاملة لرؤوس نووية جرثومية هادمة .
نعم فحين يتصدر المتعالمون , أو المتطاولون على مقام التوقيع عن الله تعالى , ممن لم يعرف بطلب , أو ظنَّ أن شهرته بين الناس لأي سبب كان كافية لاستحقاقه هذا المقام الرفيع , فإننا سنجد من الشذوذات والضلالات مالايخطر على بال , مما يصدق قول الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( اتخذ الناس رؤوسا جهَّالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) .
إنه حين توضع أزمَّة القيادة الشرعية بأيدي المتطفلين على بساط العلم , ومجالس العلماء , ويكون لهم صوت وصيت , ويُصدِّرهم الإعلام على أنهم الأعلام , فإن هذا جرٌّ للأمة للهاوية , ومسخ لثوابتها , وإطفاء لمشاعلها المضيئة , وإغلاق لسبلها الآمنة .
حين يؤخذ العلم من المتعالمين , ويُروَّج للتافهين , ويناقش مسائل الشريعة الأدعياء , فقل على الأمة السلام , وهذا وربي مما يوهن جسدها , ويقضي على مصادر قوتها وتماسكها , بل ويجرىء الأوغاد عليها .
إنه يجب أن يوضع الناس في مقاماتهم , فليس كل من حفظ مسألة صار إماما , ولا كل من حفظ القرآن , وحسن صوته فيه أصبح مفتيا , وليس كل من ترشح للقضاء , أو تعين في وظيفة شرعية استحق أن يقول في شريعة الله برأيه .
يجب أن يعلم الناس أن هذا العلم دين , وأن ينظروا عمَّن يأخذون دينهم , وأن يعلموا أن العلم لايؤخذ إلا من مظانِّه ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون ) , وأهل الذكر هم ممن يزن الأمور بميزان الشريعة , ويراعي المصالح والمفاسد الشرعية , ويخشى الله ويتقيه , ويستشعر أنه سيسأل عن ذلك كله , وإذا عرضت عليه مسألة لايعلمها , أو له فيها رأي لو قاله لربما فتح على الناس بابا , فإنه والحالة هذه يقدم جانب حفظ المصلحة العامة للأمة , وسلامتها من الشقاق فيها والتشغيب .
أهل العلم هم الذين لاينتصرون للأهواء , ولا يتعصبون للآراء إلا أن تكون حقا , ولا يمنعهم ابتغاء الحق من أن يرجعوا عمّا يرون أنه لامصلحة منه .
أهل العلم هم الذين جعلوا مراقبة الله نصب أعينهم , وخوفه وخشيته غذاء أرواحهم , فإذا أفتوا بأمر تحرَّوا فيه ما يطمعهم بمرضاة الله , والسلامة من التبعات , أما من يفتي الناس ليلتفتوا إليه , ويتجمهروا عليه , وليقولوا ما أحسنه وأظرفه , أو ليتصدر فيهم , أو ليقال عالم , أو ليكتسب بفتاويه مرضاة بعض ذوي الشأن , ويوافق ماتصبوا إليه نفوسهم , أو ليكون عالميا يدهمه الناس , ويجد في كل أرض يحل فيها أنصارا ومؤيدين وجماهير , أو يتحاشى الرجوع للحق خشية انفضاض الأتباع والمريدين , أو يعمد إلى مسائل الخلاف القوي , أو مسائل العصر , فيقول فيها بخلاف ماعليه عمل العلماء الثقات , إرضاء للأهواء , وبحثا عن الأضواء , وعلامة ذلك أن يقول في المسألة بقول كان يرى خلافه بالأمس , مع أنه لم يعرف عنه تجدد في البحث , ولا رجحان في الأدلة , ولا الاطلاع على نصوص خافية , بل لأن في ذلك ما يجعله حديث المجالس , ويمنحه فرصة تصدر وسائل الإعلام , فهذا كذاب عليم اللسان , إياك وإياه , بل فرَّ منه فرارك من المجذوم , وفرار الغزال من الضبع العادي , ولا تغترَّ بزخرف قوله , وإن أرخى عثنونه , أو أقسم بالله إنه لصادق .
لقد كثر المفتون في زمننا هذا , وعظم بكثرتهم الخطب , وما ذاك إلا لأن الأمة تحتاج معرفة أحكام دينها , فإذا انبرى لتعليمها الجهلة والأدعياء والضلال , فلا شك أن من يكن الغراب دليله , والأعمى قائده , فلن يرد إلا على عطب وبوار .
إن وسائل الإعلام أكبر من يتحمل مسؤولية تجهيل الأمة وللأسف , فهي اليوم امتداد لمشروعها العدائي ضد هذا الدين , وإلا فما معنى أن تعزف عن العلماء الأجلاء المعتبرين , وتتلقف أدعياء العلم والمتعالمين , ورؤوس الضلال , بل وتمنح المساحات للموتورين السفهاء , ليتطاولوا على أسيادهم , ويصادموا أقوالهم وفتاويهم , بالجهالات والاعتراضات السخيفة الغبية .
يجب أن تبادر الدولة بمنع هذه التجاوزات , حتى لاينزع الناس لأهل الزيغ والمتعالمين , ويعزفوا عن البررة الناصحين , فيكون الناس فرقا وأحزابا ( كل حزب بما لديهم فرحون ) , فتعم حينها فوضى الآراء والتوجهات , وهو باب لو انفتح لكان فتحه أجل خدمة للشيطان وحزبه .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا , وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
بقلم الشيخ / سليمان بن أحمد الدويش
